روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | اللهم أعط منفقًا خلفًا.. دعوة للإنفاق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > اللهم أعط منفقًا خلفًا.. دعوة للإنفاق


  اللهم أعط منفقًا خلفًا.. دعوة للإنفاق
     عدد مرات المشاهدة: 4549        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله الكريم ذو الفضل والإحسان والصلاة والسلام على أجود الناس وأبرهم. أما بعد: فلقد رغب الله تعالى عباده المؤمنين في البذل والإنفاق ووعدهم على ذلك أجرًا عظيمًا وبيّن لهم فضل عملهم هذا فقال تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].

وقال تعالى: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]. والإنفاق في سبيل الله من أفضل الأعمال وأزكاها، فهو يزكي النفس ويطهّرها من رذائل الأنانية المقيتة والأثرة القبيحة، والشح الذميم، وبهذه التزكية يرتقي الإنسان في معارج الكمال والعطاء ولذلك كان العطاء من صفات الله عز وجل.

وهو أيضًا تطهير للنفس من العبودية لغير الله تعالى، وإرتقاء لها واستعلاء ونجاة من البخل الذي يهبط بالعبد إلى مدارك العبودية للدينار والدرهم وصدق الله العظيم إذ يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة:103]. والإنفاق في سبيل الله هو في الحقيقة حفظ للمال وزيادة له وليس نقصانًا له واتلافًا كما قد يظن البعض لقوله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39] ولقوله: {ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا} [متفق عليه].

والإنفاق في سبيل الله جهاد عظيم قدمه الله على الجهاد النفسي في القرآن ما يقارب 9 مرات وذلك لأهميته العظمى.

والمال لا تظهر فائدته إلا بالإنفاق في المصالح النافعة، أما كنزه وجمعه وعدّه فهو قتل له، وحرمان لثمراته من أن تظهر ولخيراته من أن تزهر، ولطاقاته من أن تتحرك وتنتج، والممسكون معطلون ومتلفون، ومحرومون وجمّاعون لغيرهم. روى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: {هم الأخسرون ورب الكعبة}، فقلت: فداك أبي وأمي من هم؟ قال: {هم الأكثرون أموالًا إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم}.

ورأى الأحنف بن قيس في يد رجل درهمًا، فقال: (لمن هذا؟) قال: لي، قال: (ليس هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر)، وتمثل بقول الشاعر:

 أنت للمال إذا أمسكته *** وإذا أنفقته فالمال لك

يقول ابن القيّم رحمه الله في شأن الصدقة: (إن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء حتى ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء) أهـ.

فينبغي للمسلم أن ينفق ويتصدق ولا يمسك عن الإنفاق والبذل، وليحرص على أن يكون عمله هذا خالصًا لوجه الله تعالى لا رياءً ولا سمعةً أو طمعًا بمنافع دنيوية من سمعة وثناء، وأن لا يُتبع نفقته بالمن والأذى لمن أعطاه وتصدق عليه. لأن الإنسان لا ينفق لأحد إنما ينفق لنفسه هو، فمن يبخل فإنما يبخل على نفسه وإن أنفق فعلى نفسه وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء [محمد:38] ولا يمسسك الإنسان ويبخل خشية الفقر فإن الله تعالى قد تكفل لمن أنفق في سبيله بالخلف. يقول تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39] ويقول: {ما نقصت صدقة من مال. بل تزده. بل تزده} [رواه مسلم].

 أنفق ولا تخش إقلالًا فقد قسمت *** على العباد من الرحمن أرزاق

 لا ينفع البخل مع دنيًا مولية *** ولا يضر مع الإقبال إنفاق

إن الكثيرين من الناس اليوم عندهم المال الضائع والتالف أحب إليهم من المال الباقي، ومال وارثهم أحب إليهم من أموال أنفسهم وذلك لأن ما يبذلونه على شهواتهم إسرافًا وتبذيرًا مال تالف وهم يحبون ذلك، وما ينفقونه في سبيل الله مال باق ونام، إذ ينميه الله حتى تكون الحبة كالجبل، وهم يكرهون ذلك ولا تندفع نفوسهم إلى إدخاره عند الله وتخليده في خزائن رحمته وفضله، والذين يبخلون عن الإنفاق في وجوه الخير إنما يكنزون أموالهم لوارثهم وهم يحبون ذلك، فمال وارثهم أحب إليهم من مالهم لأن ما يجمعونه بالكد والجهد سيأخذه الوارث بالراحة التامة من غير تعب ولا جهد، وهذا ما بينه النبي لأصحابه فقال لهم: {أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟} قالوا: يا رسول الله ما منّا من أحد إلا ماله أحب إليه، قال: {فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر}.

 نماذج وقدوات في البذل والعطاء

لقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في البذل والانفاق، ولا غرابة في ذلك، فقد كان قدوتهم أجود الناس وأبرهم عليه الصلاة والسلام، فهو القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الجود وحب العطاء فقد كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان إذ كان فيه كالريح المرسلة وقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ثقة بعظيم فضل الله وإيمانًا بأنه هو الرازق ذو الفضل العظيم.

روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: {لو كان لي مثل أحد ذهبًا لسرّني أن لا يمر عليّ ثلاث ليال وعندي شيء منه إلا شي أرصده لدين}.

وروى البخاري ومسلم أيضًا عن جابر قال: (ما سئل رسول الله شيئًا قط فقال لا).

وعلى هذا الدرب سار أصحابه من بعده وكذلك السلف الصالح من التابعين ومن بعدهم فقد أنفق أبو بكر الصديق ماله كله في إحدى المناسبات، وأنفق عمر نصف ماله وجهّز عثمان جيش العسرة بأكمله.

وباع طلحة بن عبيد الله أرضًا له إلى عثمان بن عفان بسبعمائة ألف درهم فحملها إليه، فلما جاء بها قال: (إن رجلًا تبيت هذه عنده في بيته فلا يدري ما يطرقه من أمر الله لضرير بالله)، فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة توزعها حتى أسحر وما عنده منها درهم.

وكان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار، وما أوجب الله عليه زكاة درهم قط، وذلك لأنه كان ينفقها قبل أن يحول عليها الحول.

وأتت ابن عمر إثنان وعشرون ألف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها. وكان مورق العجلي يتجر فيصيب المال فيفرقه على الفقراء والمساكين، وكان يقول: (لولاهم ما أتجرت).

وقضى ابن شبرمة حاجة كبيرة لبعض إخوانه فجاء يكافئه بهدية، فقال: (ما هذا؟). قال: لما أسديته لي من معروف.

فقال: (خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده من الأموات).

أما حكيم بن حزام فقد كان يحزن على اليوم الذي لا يجد فيه محتاجًا ليقضي حاجته حيث يقول: (ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها).

 دعوة للإنفاق

أخي الحبيب:

بعد كل ما جاء في فضل الصدقة وما كان عليه السلف الصالح من حبهم للبذل والإنفاق في سبيل الله هل سيعطينا ذلك دافعًا للاقتداء بهم واقتفاء أثرهم في حب الإنفاق والبذل في أوجه الخير المتعددة.

إننا الآن في رغد عيش ونعم عظيمة لا تعد ولا تحصى، فإذا لم ننفق الآن ونتوسع في ذلك ونحن على هذا الحال الطيبة - ولله الحمد - فمتى ننفق؟! أإذا حل الفقر بساحتنا؟! أم إذا نزل الموت بأرواحنا؟! فأنفق أخي الكريم في سبيل الله ولا تتردد واحذر من وساوس الشيطان الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268] أنفق ولن تندم على الإنفاق أبدًا بإذن الله فلربما درهم ينادي يوم القيامة: أنا صدقة فلان، والمؤمن تحت ظل صدقته في ذلك اليوم العظيم، يوم لا ظل إلا ظل العرش وظل الصدقة.

ولو راودتك نفسك في الإنفاق فانظر لنفسك عند شراء الطعام والشراب واللباس ولعب الأطفال، بل عند شراء الصحف والمجلات؟ كم تنفق على نفسك وشهواتك؟ بل كم تنفق على شراء الكماليات!! وكم تنفق في سبيل الله لنصرة دينك ومواسات إخوانك المسلمين المحتاجين؟!!

 طريق ميسرة جدًا للإنفاق

قد يرغب كثير من الناس التبرع للأعمال الخيرية بمبلغ " ما " ويكون هذا المبلغ يسير فيتحرج من إيداعه في البنك أو إيصاله للجهة الخيرية فيترك التبرع لهذا السبب، ومنعًا لهذا الحرج ولتشجيع الجميع على المشاركة والمساهمة بأي مبلغ كان، فقد قامت المؤسسات والجهات الخيرية المصرح لها في هذه البلاد - حفظها الله - وكذلك مكاتب الدعوة والإرشاد بوضع صناديق لجمع التبرعات في أماكن كثيرة كالبنوك والمحلات التجارية والمرافق العامة وغيرها.

وذلك تسهيلًا للراغبين في المساهمة بمبالغ يسيرة دون أي حرج أو مشقة، فلا تتردد أخي الحبيب بارك الله فيك في وضع ما تجود به نفسك في أحد هذه الصناديق كلما سنحت لك الفرصة ولو كان ريالًا واحدًا. المهم أن تشارك وتساهم في خدمة الإسلام والمسلمين ولا تكون سلبيًا، وعوّد نفسك على ذلك بين كل فترة وأخرى ولا تحتقرن أي مبلغ حتى ولو كان يسيرًا جدًا فإن فيه خير وبركة، وما قامت كثير من المشاريع الخيرية بعد توفيق الله إلا من الريال والخمسة والعشرة ريالات التي تدفعها أنت وأنا والآخرين، لأن السيول الجارفة أصلها قطرات متناثرة لكن قطرة مع قطرة تشكل سيلًا عارمًا، وهكذا الأموال أيضًا، واعلم أنك غير معذور أمام الله إن كنت قادرًا على الإنفاق لنصرة دينك وإخوانك المسلمين ومساعدتهم ثم تبخل ولا تنفق.

 وأخيرًا:

 هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الكاتب: محمد بن عبد الله الحمود

المصدر: موقع كلمات